كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وبسكون الكاف نافع ومكي: {إِنَّ فِي ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} عن الحسن مثل اختلاف القلوب في آثارها وأنوارها وأسرارها باختلاف القطع في أنهارها وأزهارها وثمارها: {وَإِن تَعْجَبْ} يا محمد من قولهم في إنكار البعث: {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} خبر ومبتدأ أي فقولهم حقيق بأن يتعجب منه لأن من قدر على إنشاء ما عدد عليك كان الإعادة أهون شيء عليه وأيسره فكان إنكارهم أعجوبة من الأعاجيب: {أءِذا كنا ترابًا أءِنا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} في محل الرفع بدل من: {قولهم}.
قرأ عاصم وحمزة كل واحد بهمزتين: {أولئك الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ} أولئك الكافرون المتمادون في كفرهم: {وأولئك الأغلال فِي أعناقهم} وصف لهم بالإصرار أو من جملة الوعيد: {وأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} دل تكرار أولئك على تعظيم الأمر.
َ{ويسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة} بالنقمة قبل العافية وذلك أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بإنذاره: {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات} أي عقوبات أمثالهم من المكذبين فمالهم لم يعتبروا بها فلا يستهزئوا والمثلة العقوبة لما بين العقاب والمعاقب عليه من المماثلة.
{وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} [الشورى: 40]: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ} أي مع ظلمهم أنفسهم بالذنوب ومحله الحال أي ظالمين لأنفسهم قال السدي يعني المؤمنين وهي أرجى آية في كتاب الله حيث ذكر المغفرة مع الظلم وهو بدون التوبة فإن التوبة تزيلها وترفعها: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب} على الكافرين أو هما جميعًا في المؤمنين لكنه معلق بالمشيئة فيهما أي يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء: {وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ ايَةٌ مّن رَّبِّهِ} لم يعتدوا بالآيات المنزلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عنادًا فاقترحوا نحو آيات موسى وعيسى من انقلاب العصا حية وإحياء الموتى فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ} إنما أنت رجل أرسلت منذرًا مخوفًا لهم من سوء العاقبة وناصحًا كغيرك من الرسل وما عليك إلا الإتيان بما يصح به أنك رسول منذر وصحة ذلك حاصلة بأي آية كانت والآيات كلها سواء في حصول صحة الدعوى بها: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} من الأنبياء يهديهم إلى الدين ويدعوهم إلى الله بآية خص بها لا بما يريدون ويتحكمون.
{الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ} {ما} في هذه المواضع الثلاثة موصولة أي يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة وتمام وخداج وحسن وقبح وطول وقصر وغيره ذلك وما تغيضه الأرحام أي ويعلم ما تنقصه يقال غاض الماء وغضته أنا وما تزداده والمراد عدد الولد فإنها تشتمل على واحد واثنين وثلاثة وأربعة أوجسد الولد فإنه يكون تامًا ومخدجًا أو مدة الولادة فإنها تكون أقل من تسعة أشهر وأزيد عليها إلى سنتين عندنا وإلى أربع عند الشافعي وإلى خمس عند مالك أو مصدرية أي يعلم حمل كل أنثى ويعلم غيض الأرحام وازديادها: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} بقدر واحد لا يجازوه ولا ينقص عنه لقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْء خلقناه بِقَدَرٍ} [القمر: 49]
{عالم الغيب} ما غاب عن الخلق: {والشهادة} ما شاهدوه: {الكبير} العظيم الشأن الذي كل شيء دونه: {المتعال} المستعلي على كل شيء بقدرته أو الذي كبر عن صفات المخلوقين وتعالى عنها.
وبالياء في الحالين مكي: {سَوَاء مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} أي في علمه: {وَمَنْ هو مستخفٍ بالَّيْل} متوارٍ: {وَسَارِبٌ بالنهار} ذاهب في سربه أي في طريقه ووجهه يقال سرب في الأرض سروبًا.
و{سارب} عطف على: {من هو مستخف} لا على: {مستخف} أو على: {مستخف} غير أن: {من} في معنى الاثنين والضمير في: {لَهُ} مردود على: {من} كأنه قيل لمن أسر ومن جهر ومن استخفى ومن سرب: {معقبات} جماعات من الملائكة تعتقب في حفظه والأصل معتقبات فأدغمت التاء في القاف أو هو مفعلات من عقبه إذا جاء على عقبه لأن بعضهم يعقب بعضًا أو لأنهم يعقبون ما يتكلم به فيكتبونه: {مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} أي قدامه ووراءه: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} هما صفتان جميعًا وليس من أمر الله بصلة للحفظ كأنه قيل له معقبات من أمر الله أو يحفظونه من أجل أمر الله أي من أجل أن الله تعالى أمرهم بحفظه أو يحفظونه من بأس الله ونقمته إذا أذنب بدعائهم له: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} من العافية والنعمة: {حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} من الحال الجميلة بكثرة المعاصي: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا} عذابًا: {فَلاَ مَرَدَّ لَهُ} فلا يدفعه شيء: {وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} من دون الله ممن يلي أمرهم ويدفع عنهم.
{هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق خَوْفًا وَطَمَعًا} انتصبا على الحال من البرق كأنه في نفسه خوف وطمع أو على ذا خوف وذا طمع أو من المخاطبين أي خائفين وطامعين والمعنى يخاف من وقوع الصواعق عند لمع البرق ويطمع في الغيث قال أبوالطيب:
فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجي ** يرجّى الحيا ومنه وتخشى الصواعق

أو يخاف المطر من له فيه ضرر كالمسافر ومن له بيت يكف ومن البلاد ما لا ينتفع أهله بالمطر كأهل مصر ويطمع فيه من له نفع فيه: {وَيُنْشِيءُ السحاب} هو اسم جنس والواحدة سحابة: {الثقال} بالماء وهو جميع ثقيلة، تقول سحابة ثقيلة وسحاب ثقال: {وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ} قيل يسبح سامعو الرعد من العباد الراجين للمطر أي يصيحون بسبحان الله والحمد لله وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الرعد ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب» والصوت الذي يسمع زجره السحاب حتى ينتهي إلى حيث أمر: {والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ} ويسبح الملائكة من هيبته وإجلاله: {وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء} الصاعقة: نار تسقط من السماء لما ذكر علمه النافذ في كل شيء واستواء الظاهر والخفي عنده وما دل على قدرته الباهرة ووحدانيته قال: {وَهُمْ يجادلون فِي الله} يعني الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلون في الله حيث ينكرون على رسوله ما يصفه به من القدرة على البعث وإعادة الخلائق بقولهم: {مِنْ يحييا العظام وَهِىَ رَمِيمٌ} [يس: 78] ويردون الوحدانية باتخاذ الشركاء ويجعلونه بعض الأجسام بقولهم الملائكة بنات الله.
أو الواو للحال أي فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم وذلك أن أربد أخا لبيد بن ربيعة العامري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين وفد عليه مع عامر بن الطفيل قاصدين لقتله فرمى الله عامرًا بغدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية وأرسل على أربد صاعقة فقتله أخبرني عن ربنا أمن نحاس هو أم من حديد؟
{وَهُوَ شَدِيدُ المحال} أي المماحلة وهي شدة المماكرة والمكايدة ومنه تمحل لكذا إذا تكلف لاستعماله الحيلة واجتهد فيه، ومحل بفلان إذا كاده وسعى به إلى السلطان والمعنى أنه شديد المكر والكيد لأعدائه يأتيهم بالهلكة من يحث لا يحتسبون.
{لَهُ دَعْوَةُ الحق} أضيفت إلى الحق الذي هو ضد الباطل للدلالة على أن الدعوة ملابسة للحق وأنها بمعزل من الباطل والمعنى أن الله سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة ويعطي الداعي سؤله فكانت دعوة ملابسة للحق لكونه حقيقًا بأنه يوجه إليه الدعاء لما في دعوته من الجدوى والنفع بخلاف ما لا ينفع ولا يجدي دعاؤه واتصال: {شديد المحال} وله دعوة الحق بما قبله على قصة أربد ظاهر لأن إصابته بالصاعقة محال من الله ومكر به من حيث لم يشعر وقد دعا رسول الله عليه وعلى صاحبه بقوله: «اللهم اخسفهما بما شئت» فأجيب فيهما فكانت الدعوة دعوة حق وعلى الأول وعيد للكفرة على مجادلتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلول محاله بهم وإجابة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم إن دعا عليهم: {والذين يَدْعُونَ} والآلهة الذين يدعوهم الكفار: {مِن دُونِهِ} من دون الله: {لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ} من طلباتهم: {إِلاَّ كباسط كَفَّيْهِ إِلَى الماء لِيَبْلُغَ فَاهُ} الاستثناء من المصدر أي من الاستجابة التي دل عليها لا يستجيبون لأن الفعل بحروفه يدل على المصدر وبصيغته على الزمان وبالضرورة على المكان والحال فجاز استثناء كل منها من الفعل فصار التقدير: لا يستجيبون استجابة إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه إلى الماء أي كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم.
واللام في ليبلغ متعلق ب: {باسط كفيه}: {وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} وما الماء ببالغ فاه: {وَمَا دُعَاءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضلال} في ضياع لا منفعة فيه لأنهم إن دعوا الله لم يجبهم وإن دعوا الأصنام لم تستطع إجابتهم.
{وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض} سجود تعبد وانقياد: {طَوْعًا} حال يعني الملائكة والمؤمنين: {وَكَرْهًا} يعني المنافقين والكافرين في حال الشدة والضيق: {وظلالهم} معطوف على: {من} جمع ظل: {بالغدو} جمع غداة كقنىً وقناة: {والآصال} جمع أصل أصيل.
قيل ظل كل شيء يسجد لله بالغدو والآصال، وظل الكافر يسجد كرهًا وهو كاره، وظل المؤمن يسجد طوعًا وهو طائع: {قُلْ مَن رَّبُّ السماوات والأرض قُلِ الله} حكاية لاعترافهم لأنه إذا قال: لهم من رب السموات والأرض لم يكن لهم بد من أن يقولوا: الله، دليله قراءة ابن مسعود وأبي: {قالوا الله} أو هو تلقين أي فإن لم يجيبوا فلقنهم فإنه لا جواب إلا هذا: {قُلْ أفاتخذتم مّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أبعد أن علمتموه رب السماوات والأرض اتخذتم من دونه آلهة: {لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا} لا يستطيعون لأنفسهم أن ينفعوها أو يدفعوا ضررًا عنها فكيف يستطيعونه لغيرهم وقد آثرتموهم على الخالق الرازق المثيب المعاقب فما أبين ضلالتكم.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير} أي الكافر والمؤمن أو من لا يبصر شيئًا ومن لا يخفى عليه شيء: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظلمات والنور} ملل الكفر والإيمان.
{يستوي} كوفي غير حفص: {أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ} بل أجلعوا ومعنى الهمزة الإنكار: {خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ} خلقوا مثل خلقه وهو صفة ل: {شركاء} أي أنهم لم يتخذوا الله شركاء خالقين قد خلقوا مثل خلق الله: {فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ} فاشتبه عليهم مخلوق الله بمخلوق الشركاء حتى يقولوا قدر هؤلاء على الخلق كما قدر الله عليه فاستحقوا العبادة فنتخذهم له شركاء ونعبدهم كما يعبد ولكنهم اتخذوا له شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلًا أن يقدروا على ما يقدر عليه الخالق: {قُلِ الله خالق كُلّ شَيْءٍ} أي خالق الأجسام والأعراض لا خالق غير الله ولا يستقيم أن يكون له شريك في الخلق فلا يكون له شريك في العبادة، ومن قال إن الله لم يخلق أفعال الخلق وهم خلقوها فتشابه الخلق على قولهم: {وَهُوَ الواحد} المتوحد بالربوبية: {القهار} لا يغالب وما عداه مربوب ومقهور.
{أَنَزلَ} أي الواحد القهار وهو الله سبحانه: {مِّنَ السماء} من السحاب: {مَاءً} مطرًا: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ} جمع واد وهو الموضع الذي يسيل فيه الماء بكثرة وإنما نكر لأن المطر لا يأتي إلا على طريق المناوبة بين البقاع فيسيل بعض أودية الأرض دون بعض: {بِقَدَرِهَا} بمقدارها الذي علم الله أنه نافع للممطور عليهم ضار: {فاحتمل السيل} أي رفع: {زَبَدًا} هو ما علا على وجه الماء من الرغوة والمعنى علاه زبد: {رَّابِيًا} منتفخًا مرتفعًا على وجه السيل: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ} بالياء كوفي غير أبي بكر و{من} لابتداء الغاية أي ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء أو للتبعيض أي وبعضه زبد: {فِي النار} حال من الضمير في عليه أي ومما توقدون عليه ثابتًا في النار: {ابتغاء حِلْيَةٍ} مبتغين حلية فهو مصدر في موضع الحال من الضمير في توقدون: {أَوْ متاع} من الحديد والنحاس والرصاص يتخذ منها الأواني وما يتمتع به في الحضر والسفر وهو معطوف على: {حلية} أي زينة من الذهب والفضة: {زَبَدٌ} خبث وهو مبتدأ: {مّثْلُهُ} نعت له و: {مما توقدون} خبر له أي لهذه الفلزّات إذا أغليت زبد مثل زبد الماء.
{كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل} أي مثل الحق والباطل: {فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَاءً} حال أي متلاشيًا وهو ما تقذفه القدر عند الغليان والبحر عند الطغيان والجفء الرمي وجفأت الرجل صرعته: {وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس} من الماء والحلي والأواني: {فَيَمْكُثُ فِي الأرض} فيثبت الماء في العيون والآبار والحبوب والثمار وكذلك الجواهر تبقى في الأرض مدة طويلة: {كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال} ليظهر الحق من الباطل وقيل هذا مثل ضربه الله للحق وأهله والباطل وحزبه فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به أودية الناس فيحيون به وينفعهم بأنواع المنافع وبالفلز الذي ينتفعون به في صوغ الحلي منه واتخاذ الأواني والآلات المختلفات وإن ذلك ماكث في الأرض باقٍ بقاء ظاهرًا يثبت الماء في منافعه وكذلك الجواهر تبقى أزمنة متطاولة.
وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله ووشك زواله بزبد السيل الذي يرمي به.
وبزبد الفلز الذي يطفو فوقه إذا أذيب.
قال الجمهور وهذا مثل ضربه الله تعالى للقرآن والقلوب والحق والباطل فالماء القرآن نزل لحياة الجنان كالماء للأبدان والأدوية للقلوب.
ومعنى: {بقدرها} بقدر سعة القلب وضيقه، والزبد هواجش النفس ووساوس الشيطان، والماء الصافي المنتفع به مثل الحق فكما يذهب الزبد باطلًا ويبقى صفو الماء كذلك تذهب هواجس النفس ووساوس الشيطان ويبقى الحق كما هو وأما حلية الذهب والفضة فمثل للأحوال السنية والأخلاق الزكية وأما متاع الحديد والنحاس والرصاص فمثل للأعمال الممدة بالإخلاص المعدة للخلاص فإن الأعمال جالبة للثواب دافعة للعقاب كما أن تلك الجواهر بعضها أداة النفع في الكسب وبعضها آلة الدفع في الحرب وأما الزبد فالرياء والخلل والملل والكسل.
واللام في: {لِلَّذِينَ استجابوا} أي أجابوا متعلقة ب: {يضرب} أي كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين الذين استجابوا: {لِرَبِّهِمُ الحسنى} وهي صفة لمصدر: {استجابوا} أي استجابوا الاستجابة الحسنى: {وَالَّذِينَ لَمْ يَستَجِيبُوا لَهُ} أي للكافرين الذين لم يستجيبوا أي هما مثلًا الفريقين.
وقوله: {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ} كلام مبتدأ في ذكر ما أعد لغير المستجيبين أي لو ملكوا أموال الدنيا وملكوا معها مثلها لبذلوه ليدفعوا عن أنفسهم عذاب الله والوجه أن الكلام قد تم على الأمثال وما بعده كلام مستأنف والحسنى مبتدأ خبره: {للذين استجابوا} والمعنى لهم المثوبة الحسنى وهي الجنة: {والذين لم يستجيبوا} مبتدأ خبره {لو} مع ما في حيزه: {أولئك لَهُمْ سُوءُ الحساب} المناقشة فيه في الحديث: «من نوقش الحساب عذب»: {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} ومرجعهم بعد المحاسبة الناس: {وَبِئْسَ المهاد} المكان الممهد والمذموم محذوف أي جهنم. اهـ.